الثلاثاء، 3 مارس 2015

الدرس السادس الحضارة الحديثة وتغير القيم

الدرس السادس الحضارة الحديثة وتغير القيم
مفهوم الحضارة والقيم
مفهوم الحضارة
الحضارة لغة هي الإقامة في الحضر واصطلاحا مجموع المفاهيم والقيم والعقائد والقوانين والمبادئ والعادات التي توجه حركة مجتمع ما ونشاطه. والحضارة الإسلامية هي إرث مشترك بين جميع الشعوب والأمم التي انضوت تحت لوائها والتي هي نتاج تلاقح ثقافاتها وانصهارها في بوتقة المبادئ والقيم والمثل التي جاء بها الإسلام لهداية الناس كافة.
ويرتبط مفهوم الحضارة الحديثة بمنظومة القيم التي أسست للتقدم التكنولوجي ودفعت إلى تطورالمعارف والعلوم وغيرها التي ميزت المجتمعات الصناعية الحديثة التي يمثلها الغرب
مفهوم القيم
هي مجموع التصورات والتمثلات التي يحملها المجتمع نحو الأشياء والمعاني والتي تعمل على توجيه رغباته وسلوكاته نحوها ،وتحدد له السلوك المقبول والمرفوض
ونقصد بالقيم الإسلامية التصورات المضبوطة بالضوابط الشرعية المرتبطة بأحكام الإسلام التي توجه إلى السلوك الإيجابي في المواقف المختلفة وإلى التمييز بين الخير والشر.
علاقة القيم بالحضارة
تختلف وتتنوع منظومات القيم باختلاف الحضارات التي تحتضنها، فالحضارة الإسلامية تقوم على قيم ثابتة لثبات مصدرها، أما الحضارات التي مصدرها اجتهادات البشر فقيمها تتغير بتغير مرجعيتها الفكرية ومنها الحضارة الحديثة التي عرفت تغير قيم العفة مثلا ، فالحضارات الإنسانية تختلف باختلاف مصدرها ، فالتي تطغى عليها التوجهات المادية ينعكس ذلك في منظومات قيمها وتضعف فيها الجوانب الروحية والعكس صحيح .
إن بناء الحضارة لا يقوم على القيم المادية لوحدها ولا الروحية لوحدها ,لذا فالحضارة الحديثة لم تحقق للإنسان السعادة والطمأنينة, بل أدت إلى افتقاد عدد من القيم الإنسانية . أما الحضارة الإسلامية فقد امتازت بالجمع بين ما هو مادي وما هو روحي بشكل متوازن لقوله تعالى{ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ(77) }. سورة القصص
إذن فعلاقة الحضارة بالقيم هي علاقة تأثير و تأثر.
أثر الحضارة الحديثة في القيم
أثرت الحضارة الحديثة سلبا على معظم المجتمعات من حيث تغير القيم باعتبار الحضارة الحديثة التي تقوم على القيم والمنفعة المادية قد أبعدت القيم الأخلاقية والدينية عن العلم ،فعلى مستوى الإعلام مثلا والذي يعد إنجازا ذا فائدة على الإنسانية ، له سلبيات تهدد قيم المجتمعات، فالفضائيات التي أصبحت تغزو جميع البيوت وخاصة الفضائيات المنحلة لا تعير اهتمام للقيم الأخلاقية لأن الإعلام في الغالب بني على المنفعة المادية .
إذن فالتطور التكنولوجي يدمر البيئة و يتسبب في شقاء المجتمعات ،مثالا آخر ما يعرف بالاستنساخ والذي تم على العديد من الحيوانات مما دفع ببعض الباحثين المختصين في علم الأجنة إلى الدعوة بقبول استنساخ الكائن البشري تحت شعارات كذابة وخادعة متجاوزة بذلك القيم الإنسانية والأخلاقية والدينية، إذن فجانبا من الحضارة الحديثة مناف للقيم ويمكنها أن تغرس قيما مادية جديدة مكان القيم الخلقية الأصلية إما باسم التقدم العلمي أو خدمة للإنسانية.
كيف يمكن أن نحافظ على قيمنا في ظل الحضارة الحديثة
إن الإنسان اليوم يمكن أن يستثمر التكنولوجيا المعاصرة ما يحقق مصالحه ويحفظ كرامته دون أن يمنعه من عبادة الله و يحافظ على قيمه من برالوالدين واحترام الجار وغيرها مما يتفق والمرجعية الدينية والإنسانية والأخلاقية ، ولو قامت المجتمعات بالجمع بين هذه القيم والحضارة الحديثة لحققت مراد الله من عمارة الأرض وإسعاد البشرية بدل تدميره كما نلاحظ من خلال المنتجات السلبية للحضارة الحديثة.
المجتمعات الإسلامية بين الأمس واليوم في علاقتها بقيمها
إن الملاحظ في عصرنا الراهن تخلي المجتمعات الإسلامية عن العديد من قيمها وإتباعها لقيم الحضارة الحديثة ومثال على ذلك:
بر الوالدين: فهذه القيمة التي لها دور في التماسك الأسري والتضامن الاجتماعي تراجعت إلى حد أصبحنا نرى صورا من العقوق بدءا بقطع الصلة بالوالدين إلى الضرب و القتل فضلا عن التهميش والإهمال هذا في الوقت الذي يعد برالوالدين واجبا شرعيا لقوله تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا(23)وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا(24)} سورة الإسراء
احترام الجار: أصبح الجار لا يهتم بجاره ولا يعيره اهتماما مما يجعل لحمة التضامن الاجتماعي ضعيفة والاستئثار بدل الإيثار ، في حين نجد أن احترام الجار والاهتمام بشؤونه من الواجبات الشرعية ما يدل عليه قوله تعالى : {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا(36) } سورة النساء
وقوله عليه السلام: { مازال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه }أخرجه البخاري
وقد ورد في بعض الأثر أن حرمة الجار تمتد إلى سبعين بيتا ، فما حظ الأمة اليوم من قيمها، وهل يعني مواكبة العصر التخلي عن القيم الدينية والانفتاح الحضارة الحديثة بخيرها وشرها كما أصبحنا نلمسه اليوم ؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق